روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | ما به جسمي!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة


  ما به جسمي!
     عدد مرات المشاهدة: 2441        عدد مرات الإرسال: 0

أمّي لم تنجب إلا البنات، كانت تعيش قلقة بسبب هذا الأمر، وكانت تدعو الله ألاّ يأخذها إليه إلا إذا اطمأنّت علينا، حينما أصبحت الصغيرة فينا قادرة على قضاء حاجتها دون مساعدة أحد، بدأ داء المفاصل يعبث بأمّي وراحت تستسلم لآلامه التي كانت تشوّش عليها معرفة أيّ مكان يصدر منه الألم، في ذلك الوقت أصبح بعض الجماعات التي تحمل أسلحة يدخلون بيوت القرية من أجل إختطاف البنات، هذا الخبر أصاب أمّي بالجنون، وقالت لأبي لن يأخذوا بناتي إلا بعد أن يتركوني جثّة، لم تكن تنام ليلها، وتقضيه واقفة أمام النافذة تحرس بناتها.

والدي إقترح عليها أن يزوّجنا قبل أن نتعرّض للإختطاف، أمّي رفضت الأمر، وإتهمت أبي بالجنون.

بعد ستّة شهور ماتت أمّي، وجدناها ملقية على الأرض تحت النافذة، بعد ليلة قضتها في الحراسة.

مرّ الوقت وكنتُ قد تجاوزت العشر سنوات، حينما وجّه لي والدي تنبيهاً، ومظاهر الإشمئزاز ظاهرة على وجهه، قائلاً:

ـ انظري إلى جسمك كيف أصبح.

بعد أيّام دعاني للدخول إلى البيت، وأخبرني أنّ زواجي سيكون بعد أسبوع، رفضت بشدّة وأخبرته أنّي لا أريد، لم يقل شيئاً، وظلّ صامتاً إلى أن جاءت نهاية الأسبوع، بدأ التحضير للحفلة ونادى على امرأة جهّزتني لليلة الزفاف.

أبديت رفضي للمرأة أيضاً، وظلّت هي الأخرى صامتة لا تقول شيئاً.

تتوقّف أهمية الحدث في القرية على كثرة حضور الناس، وقد كانوا قليلين ذلك اليوم.

أخذوني إلى بيت ذلك الرجل، وفي اليوم الموالي إكتشفت أنّني لا أستطيع البقاء في بيته، وتشكّلت لديّ الرغبة في الهروب، وفعلاً أصبحت أهرب كلّ يوم إلى مكان لا أخطّط له، وبعد أن يُخيّل إليّ أنني إبتعدتُ بما فيه الكفاية كان والدي يجدني بسهولة بالغة، كنت صغيرة، وكلّ المسافات كانت تبدو لي كبيرة، و هو عائد بي يضربني ثمّ يأخذني إليه، أربع سنوات أمضيتها بين الهرب والضرب والعودة، إلى أن حبلت وتوقّفت عن الهرب، وتوقّف والدي عن الضرب.

يوماً بعد يوم أخذت خطواتي في التثاقل، غير أنّ دماغي ظلّ متيقّظا متعطّشا للفرار، فكّرت أنّني فور وضعي للطفل سأهرب مرّة أخرى، تراجعت عن فكرتي بعد أن سمعت صوتَ بكائه يطرق أذني.

عندما برزت بطني نبّهني والدي، وقد علت وجهه سحابة إشمئزاز كبيرة، قائلاً:

ـ إنظري إلى جسمك كيف أصبح.

لو كانت أمّي على قيد الحياة لما تمكّن من أن يفعل بي كلّ هذا.

بدأت أفكّر في الطفل لأنسى أبي والرجل، التفكير به كان يبقيني هادئة مستسلمة، غير أنّه في بعض الأحيان يحضرني الشعور أنّه سيجئ متّسخاً لزجاً، فأتوقّف عن التفكير به.

جاءني المخاض، فاتّجه بي إلى المستشفى، لم يكن مرحّباً بنا لأنّنا فقراء، كان الألم شديداً وبقيت أسحب جسمي جيئة وذهاباً طول الرواق.

و بعد ساعات سألني من كان يبدو طبيباً:

ما بك؟

ـ لاشيء، فقط أشعر أنني سألد.

أدخلوني قاعة، فحصني طبيب آخر، اتّضح له أني سأواجه مشاكلا خلال الوضع، يقول إنّ حوضي ضيّق بسبب سوء التغذية الذي لاقيته خلال صغري.

مرّ أسبوع كامل ثم سحبوه منّي، كان ميتاً.

بكيتُ عليه كما بكبتُ يوم توفّيت أمّي، كان بكائي صامتاً، وتركت الدموع والصراخ لأمّهات كنّ يشاركنني القاعة، إحداهن كانت لا تتوقّف عن الحركة بسبب الألم، وحتّى عندما يخفّ لا يعود بمقدورها أن تتوقّف عن الحركة.

كانت هناك سيّدة رغم معاناتها لم تكن تتوقّف عن الكلام، لم يكن مفهوماً ما تقوله، كانت تتكلّم كثيراً ثم تبكي قليلاً لتعود إلى الكلام مرّة أخرى.

بعد يومين طُلب منّي ترك السرير لأنّ هناك من هم في حالة أخطر من حالتي.

خرجتُ من المستشفى وأنا مريضة، ثم إكتشفت أنّني أصبحت أتبول لاإراديا على ملابسي، وأصبحت أنام على الأرض، وقد أصبحت رائحتي كريهة.

اتضح فيما بعد أنّني لن أحبل مرّة أخرى، لكنّهم سيعالجوني من الأعراض الأخرى، عندما عرف زوجي طردني وتزوّج أخرى، لقد تأخّر كثيراً في أن يفعلها.

حتّى عندما تخلّصت منه ظلّ هناك ما يحزنني ويدعوني للإبتعاد عن محيط بيتنا قدر إستطاعتي، لكن كيف لي أن أهرب من حقيقتي الآن؟ حقيقة أنّي امرأة ليس بإستطاعتها أن تلد وتربّي أطفالا.

كما أنّه لم يعد للهرب معنى بعدما سقط أبي مريضاً، ظلّ على تلك الحال مائة يوم يتبوّل على نفسه وأهتم به وبفراشه وأطعمه الحساء بالملعقة وأتفادى أن يبقى شيئاً من الطعام عالقا على ذقنه، كلما مرّ يوم إشتدّ مرضه أكثر، وهزل جسده، وبعدما كانت عيناه معلّقة في السقف أصبحت تتطلّع إلى ما وراء النافذة التي بدأت مع بداية فصل الربيع تُدخل أشعتها الدافئة. إشتاق إلى العالم الخارجيّ بما يكفي لأتمكن من تشجيعه على محاولة النهوض، قلت:

أنظر إلى جسمك يا أبي كيف أصبح، إنّه يعاني قلّة الحركة.

نزلت إليه ولفّ ذراعه حول رقبتي، وحاولت أن أرفعه إلى مستوى النافذة ليطلّ على الخارج.

الكاتب: نوال يوسف يعلى.

المصدر: موقع رسالة المرأة.